مرض الذهان من الأمراض النفسية الشهيرة والمعروفة في المجال الطبي، لكنه مجهول تماما أو غير معروف بنسبة كبيرة لدى عامة الناس بالرغم من أنه يشكل خطرا على المريض و على الأشخاص المحيطين به.

 ما هو مرض الذهان؟

الذهان في الإنجليزية يسمى Psychotic، والكلمة مشتقة من اللغة الإغريقية وهي تعني الحالة غير الطبيعية للذهن، و هو مصطلح طبي نفسي لبعض الحالات العقلية التي يفقد فيها المريض اتصاله بالواقع المحيط، و تحدث فيها ثغرة ضمن إحدى مكونات عملية التفكير المنطقي والإدراك الحسي.

يكثر الذهان بشدة في حالات المراهقين أو البالغين حين يتعرضون لضغوط معينة تجعلهم في حالة تشوش أو ارتباك، أما مرض الذهان فهو أخطر كثيرا من الأعراض السالفة الذكر و يصيب مختلف الأعمار بل و تزداد نسبة الاصابة بالمرض كلما تقدم العمر.

  أنواع الذهان :

1. الاضطراب الفصامي العاطفي:

هو النوع الأكثر انتشارا بين النساء عن الرجال، حيث تظهر فيه أعراض الكآبة و المزاج المتقلب، و الهلوسة و الأوهام غير الواقعية.

2. الفصام الذهاني:

هو أكثر الأنواع شيوعا و هو عبارة عن اضطراب حاد في الدماغ يصاحبه تفكير مشوش و غير منطقي بالمرة و له عدة أعراض هي :
(الهلاوس السمعية و البصرية – الأوهام – اضطرابات التفكير – الفصام)، و كل عرض له علامات مميزة تفصله عن الآخر و تسهل معرفة التشخيص الصحيح لمريض الذهان.

 أولا: الهلاوس:

عبارة عن تخيلات تحدث فقط في عقل المريض حيث يتخيل اصواتا أو أشياء لا تمت للواقع بصلة، و أكثرها شيوعا الهلاوس السمعية و التي يتصور فيها المريض أنه مراقب من أشخاص آخرين، و غالبا ما يتصرف المصابين بهذا النوع من الذهان بغرابة فنجدهم يتحدثون ويضحكون مع أنفسهم، بل و أحيانا يتحدثون مع أشخاص لا يراهم غيرهم.

 ثانيا: الأوهام:

معتقدات غير واقعية يتخيلها المريض و يتمسك بها بقوة، و يؤمن بها حيث يعتقد أن هناك من يراقبه أو يتجسس عليه من خلال التلفاز أو الهاتف المحمول.

 ثالثا : اضطراب التفكير:

أفكار غير مترابطة وغير مفهومة المضمون، و غير منطقية بالمرة حتى أن المريض غالبا لا يعي ما يقوله أو يفعله.

 رابعا: الفصام :

يعاني فيه المريض من الأوهام وخاصة أوهام العظمة أو ما يطلق عليه الاخصائيون النفسيون (البارانويا) أو جنون العظمة، ويلاحظ على المريض في مثل هذه الحالة كثرة الحركة و الضوضاء، و عدم التأثر بالتقاليد أو الضوابط الاجتماعية، و قد تفسر أعراضه في بعض الأحيان بشكل خاطئ بأنها متغيرات غالبا ما تحدث نتيجة الاكتئاب والقلق النفسي للبالغين في مرحلة المراهقة.

 

3. الاضطراب الفصامي الشكل :

يتشابه في أعراضه مع مرض الفصام إلا أنه لا يتضمن أعراض الأوهام و الهلوسة، وبالرغم من أن فترة المرض و العلاج قد تطول إلا أن المريض يتمتع بحالة جيدة نسبيا من التواصل مع العالم الخارجي والواقع المحيط على المستوى العام كالعمل والأصدقاء، وعلى المستوى الخاص كالأسرة وأفراد العائلة.

4. الاضطراب الذهاني المشترك:

هو أحد الأنواع التي يشترك فيها شخصان أو أكثر في معتقداتهم حول هاجس معين أو فكرة ما بسبب علاقتهم المشتركة بمجتمع معين أو اعتناقهم لأفكار مشتركة.

 أسباب مرض الذهان :

يحدث الذهان نتيجة لعدة أسباب وراثية أو نفسية أو جسمية، ولكن الحقيقة أن التغيير الكيميائي في المخ له دور أساسي في الاصابة بمرض الذهان خاصة في الفص الصدغي Temporal Lobe و الذي يعد مسئولا عن الذاكرة البصرية و معالجة المدخلات الحسية السمعية والبصرية.
المواد الكيميائية التي تدور حولها الأبحاث تعرف باسم الدوبامين، والسيروتونين وهما عاملان رئيسيان في الشفاء من المرض والحد من أعراضها.

 

o مادة الدوبامين Dopamine :

هي مادة تتفاعل في الدماغ وتؤثر على الانتباه و الكثير من الأحاسيس و السلوكيات، و هي أحد المجموعات الكيميائية التي تسمى النواقل العصبية التي تحمل المعلومات من عصبون (الخلية العصبية) إلى آخر، و تكون مستويات الدوبامين عالية في الدماغ في مرحلة الطفولة و تنخفض بمرور الزمن و التقدم في العمر.

o السيروتونين(هرمون السعادة) Serotonin :

هو أحد الناقلات العصبية التي تلعب دورا هاما في تنظيم مزاج الإنسان، و له دورا أساسيا في مرض الصداع النصفي أو ما يسمى بداء الشقيقة، و الذي أحدث اكتشافه ثورة في علاج الاكتئاب، و التقليل من الشعور بالغثيان.

يمكن الحصول على السيروتونين من خلال التعرض لضوء الشمس، أو تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات مثل : البطاطا الحلوة – الذرة – عصير الفاكهة، و من أشهر الأطعمة التي تؤدي إلى إفراز السيروتونين: الشكولاتة و الحلويات بشكل عام، البيتزا والفطائر، و يمكن ايضا الحصول عليه من خلال القيام بالتمارين الرياضية.

1- الأسباب الوراثية:
تشير الدراسات والاحصائيات إلى أن اصابة أحد الآباء أو الأقارب من الدرجة الأولى بالمرض تزيد من احتمالية اصابة المراهق بالفصام أو ذهان الهوس الإكتئابي.

2- الأسباب النفسية:

– قلة النوم.
– الاكتئاب الشديد.
– أثناء الحمل أو ما بعد الولادة بسبب التغير في هرمونات الجسم.

– الإفراط في تناول المكيفات كالشاي و القهوة أو تعدي حدود مادة الكافيين في اليوم الواحد.

– الضغوط النفسية الشديدة أو التعرض لأزمات متكررة مثل: فترات الحروب أو السجن.

– اصابات الدماغ.
– التوتر الاجتماعي الشديد.
– الإدمان أو شرب الكحوليات.
– الفصام (الشيزوفرينيا).
– الإيقاف المفاجئ لبعض الأدوية ذات الآثار النفسية.
– ثنائية القطبين أو الهوس Suomen Mielenteneyeeeure:
وهو اضطراب نفسي عبارة عن فترات متناوبة من الكآبة مع فترات الابتهاج غير الطبيعي.

 

3- العقاقير المخدرة التي تؤثر على الدماغ مثل :

– عقار LSD ، وهو من عقاقير الهلوسة التي يتعاطاها الشباب.
– عقار امفيتامين وهو من العقاقير المخدرة.

4- الأسباب الجسمية :

o أولا : نتيجة لحدوث خلل في أملاح الجسم ويتمثل في:
– خلل في أملاح الجسم.
– انخفاض أو زيادة في نسبة الكالسيوم.
– انخفاض أو زيادة في نسبة الصوديوم.
– انخفاض أو زيادة في نسبة البوتاسيوم.
– انخفاض أو زيادة الماغنسيوم.
– انخفاض الفوسفات.
– انخفاض سكر الدم.

 

• ثانيا: الذهان الثانوي نتيجة لأمراض الجهاز العصبي ومن أمثلتها :

1. مرض لايم Lyme Disease :
هو نوع من الاضطرابات المرضية التي تحدث اختلالا في وظائف الجسم المختلفة خاصة الجهاز العصبي.

2. الزهايمر Alzheimer’s:
من أمراض الخرف في فترة الكهولة، و هو عبارة عن ضمور في خلايا المخ السليمة يؤدي إلى تراجع باستمرار في الذاكرة والقدرات العقلية و الذهنية.

3. مرض باركنسون Parkinson’s Disease :
هو مرض الشلل الرعاش و يكون مصحوبا بتصلب في العضلات و صعوبة في المشي، ويأتي في المرتبة الثانية بعد الزهايمر في الأمراض الدماغية.

4. أورام الدماغ:
و تشمل أنواع السرطانات المختلفة الحميدة و الخبيثة.

5. التصلب المتعدد:
يحدث التصلب المتعدد أو التصلب اللويحي نتيجة تلف الغشاء العازل للعصبونات في الدماغ و الحبل الشوكي، و ينتج عنه عطلا في قدرة الجهاز العصبي على التواصل.

6. داء أجسام لوي Lewy Body Dementia :
هو نوع من أنواع الخرف المصاحب لمرض باركنسون، و من أمراض الجهاز العصبي القليلة الانتشار، و من أشهر من أصيب به وتوفي على أثره الممثل الأمريكي (روبن وليامز).

7. الساركويدوسس ٍSarcoidosis :
يحدث نتيجة خلل في الجهاز المناعي لسبب غير معروف (دواء أو ميكروب معين) يدخل إلى الجسم، ويؤدي إلى التهاب في أي عضو من أعضائه و غالبا ما يكون هذا الالتهاب في الرئتين أو العينين أو الغدد الليمفاوية.

· قياس نسبة الذهان The BPRS :
(Brief Psychiatric Rating Scale) هي عبارة عن قائمة استبيان بها 18 نوع من الأعراض الخاصة بالمرض، حيث يقوم الطبيب المختص بسؤال الشخص المصاب ويلاحظ تصرفاته ويقوم بسؤال عائلته أيضا.

· مضاعفات مرض الذهان :
تعد مضاعفات هذا المرض من أخطر ما يكون وذلك لأن مريض الذهان في معظم الحالات لا يقتنع بمرضه بل ويكون غير مدرك لواقعه أو الأمور المحيطة به بشكل سليم فيحدث ما لا يحمد عقباه، ومن أمثلة هذه المضاعفات :

– إيذاء المريض لنفسه أو المحيطين به حيث تتسم تصرفاته في الغالب بجانب من العنف و العدوانية.

– إقدام المريض في بعض الحالات المتأخرة على الانتحار لعدم إدراكه لعواقب الأمور ونتائجها، بالإضافة إلى الهلاوس السمعية والبصرية التي تخيل إليه.

لذا يجب أن يبقى مريض الذهان تحت المراقبة طيلة الوقت، و يفضل أن يتم إيداعه إحدى الدور النفسية المتخصصة في التعامل معه في هذا النوع من الأمراض و أن يكون تحت إشراف طبي دائم.

· علاج مرض الذهان :

على الرغم من خطورته الشديدة إلا أنه يعد من الأمراض العقلية ذات نسب الشفاء العالية حيث تصل نسبة الشفاء فيه إلى80% من إجمالي الحالات العادية أما الحالات المستعصية فلا تتعدى نسبة الشفاء فيها 20%، و لعلاج هذا المرض عدة طرق ألا و هي:

1- علاج مرض الذهان طبيا :

وهو العلاج بالدواء والعقاقير الطبية حيث يتم إعطاء المريض بعض أنواع المهدئات ومضادات الاكتئاب بجرعات معينة يحددها الطبيب وفقا للحالة الخاصة به، وهذا النوع من العلاج قد يستغرق وقتا طويلا، و هناك بعض الحالات الشديدة يحتاج المريض فيها أن يدخل المستشفى لاستكمال العلاج.

2-  علاج مرض الذهان نفسيا  :

عن طريق الجلسات النفسية و التي تتم من خلال استشاري نفسي أو طبيب مختص حيث يحتاج مريض الذهان إلى معاملة خاصة، وذلك لرفضه الاعتراف بالمرض وانكاره له فيتم التعامل معه بحذر شديد، وله عدة أسس يجب أخذها بعين الاعتبار مثل:

o الدعم النفسي الذي تقدمه أسرة الشخص المصاب بالذهان و أقربائه من العوامل الهامة جدا التي تسرع من إتمام عملية الشفاء في أقصر وقت ممكن.

o لا يجب التعامل مع المريض على أنه شخص غير طبيعي أو معاق، فهذا قد يزيد من الأمر سوءا بل يجب أن يتم التعامل معه وفقا لحالته و من خلال اتباع ارشادات الطبيب.

o يجب عدم وضع المريض تحت أي ضغوط بدنية أو نفسية فوق احتماله.
o الاسترخاء و الهدوء هما عاملان رئيسيان في تزايد نسبة الشفاء.

A stock photo of a patient consulting doctor.

3- علاج مرض الذهان بالأعشاب:

o عشبة الجنكة:

أو شجرة المعبد كما يطلق عليها البعض و تعتبر من أفضل الأعشاب الطبية التي تساعد في معالجة مشاكل الذاكرة والاضطرابات العقلية والسلوكية، وتستخدم أيضا في حالات الاكتئاب و بعض الأمراض النفسية الأخرى.

o عشبة الناردين :

تستخلص من زهرة الناردين، وتفيد أيضا في حل مشكلات الذاكرة، والتفكير و تساعد في التغلب على اضطرابات النوم والقلق الناتج عنها، وتكمن فائدتها في أنها تعمل على تنشيط القدرة الذهنية و العقلية وعلاج مشاكل فرط الحركة و تشتت الانتباه.
و من عيوبها أنه قد ينتج عنها بعض الأثار الجانبية السلبية مثل: اضطرابات المعدة أو حدوث بعض الألم في الرأس أحيانا، و لكنها تعتبر أثارا بسيطة مقارنة بالفوائد العديدة للعشبة.

o عشبة سانت جونز :

عشبة القديس يوحنا و هي مشهورة جدا لدى الباحثين في مجال الطب البديل، و هي عشبة طبية من النباتات الغازية موطنها الأصلي أوروبا تفيد في علاج الاكتئاب بمختلف درجاته، و تحتوي على مادة (الهيبرسين) التي تعد مضادا للاكتئاب.

تستخلص من عشب يسمى (العرن) و تعمل على تقليل أعراض الاصابة بالذهان، وتساعد في تحفيز خلايا الذاكرة والإدراك من خلال تحسين كفاءة عملها، لكن لا يفضل تناول كميات كبيرة منها لما تسببه من أضرار على الصحة العامة للجسم.

 

4- العلاج بالقرآن:

يلجأ الكثير من الناس في الاستشفاء بآيات القرآن الكريم خاصة في حالات الأمراض النفسية، وفي مرض الذهان ينصح المعالجون بالقرآن الكريم بالآتي :
1- التوكل على الله قبل كل شيء والأخذ بالأسباب.

2- أن يتم عرض المريض على الطبيب أولا للتأكد من المرض لوصف العلاج اللازم.

3- الاستماع للقرآن الكريم خاصة آيات الرقية الشرعية بجانب الأدوية اللازمة ولا يتم ترك الدواء طيلة فترة العلاج.

ولقد أحدث الاستماع للقرآن الكريم تحسنا ملحوظا في بعض الحالات من خلال بث السكينة والهدوء في نفس المريض، وتحسن الحالة المزاجية والشعور بالراحة النفسية، و هذه العوامل التي يحتاجها مريض الذهان ليتم علاجه بشكل سليم، و في هذا فقد صدق الله عز وجل في قوله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين).

مــروة فتحــي