ماذا بعد الانتحار ؟ : لن أتحدث في هذا المقال عن أسباب الانتحار فأسبابه كثيرة وكل شخص يُقدم أو يفكر في هذا الفعل يكون عنده من الاسباب الكافية التي يقنع بها على الأقل نفسه لتنفيذ هذا الفعل ولكن سوف نتحدث عن الأمر بطريقة مختلفة قليلاً ألا وهو :

ماذا بعد الانتحار ؟

فعندما يصل الخبر إلى مسامعي بأن شخص ما قد أنتحر وأياً كانت الأسباب يتطرق إلى ذهني وماذا بعد ذلك ؟ هل انتهت الآن مشاكله أم بدأت له مشاكل أكبر في مكان آخر بل وبدأ مشاكل أخرى لمن كانوا حوله من الأهل والأقارب ، وما هي الحالة النفسية التي يمر بها أهل هذا الشخص ؟ كيف يواجهون المجتمع ؟ حيث أن في أغلب الأحيان يتم الإشارة إليهم بأصابع الاتهام إلى أنهم لم يهتموا بالشخص المنتحر الاهتمام الكافي ولم يقدموا له الرعاية الكافية حتى وصل به الأمر إلى الإقدام على الانتحار وهذه نظره قد تكون خاطئة في أغلب الأوقات لأن هناك أسباب مرضية قد تؤدي إلى الانتحار ولا يلاحظها الأهل والأقارب بسبب تفشي وانتشار هذه الأسباب النفسية في مجتمعاتنا  .

ومن هنا يجب على الجميع أن يدرك السبب الحقيقي وراء هذا الفعل ليدرك معها الحقيقة ويستطيع العيش والتعايش مع هذا الأمر فإذا كان السبب مرضي مثل الاضطراب العقلي (الذهان) فيجيب التخفيف عن الأهل والأقارب بمعرفة أن المنتحر كان مريضاً وقد أوصله مرضه إلى هذه المرحلة ، لأن عند الأقدام على الانتحار من قبل أي شخص تدور هنا وهناك الكثير والكثير من الأسئلة والأقاويل حول الشخص المنتحر وما كان يمر به والجميع يدلي بدلوه في هذا الأمر ، فغالباً ما يُصدم الجميع بإقدام أحد ذويهم على الانتحار فالأمر يأتيهم بغته وإن كانوا على دراية وعلم مسبق لتخذوا الحيطة والحذر خصوصاً مع هؤلاء المصابين ببعض تلك الأمراض المؤدية إلى الانتحار عفانا وعافاكم الله .

أما في الحالات الأخرى أمثال تعاطي المخدرات أو عدم توفر فرصة عمل مناسبة أو الأسباب العاطفية فهنا يجب أن نعرف أن الشخص المنتحر لا يفكر إلا من زاويه واحده في كافة الأمور بل ويتبنى هذه الزاوية كأمر مسلم به وأن لا مناص مما هو فيه لأن كل الطرق تؤدي إلى نفس الزاوية التي ينظر بها إلى الأمور ، فلم ينظر قبل الإقدام على الفعل بحلول أخرى ولم يحاول أن يغير طريقة تفكيره ولم يحاول أن يعرض المشكلة على الآخرين للوقوف على بعض الآراء التي قد تكون إيجابية في حل مشكلته بل لم يفكر في مدى الانهيار الذي سوف تكون عليه عائلته ومدى الحسرة والألم التي قد تظل عالقة معهم ليس لشهور أو لسنوات بل طيلة عمرهم وكيف هي حالة أخوته وأصدقائه النفسية من هذا الأمر .

اقرأ ايضا

اضرار الالعاب الالكترونية قد تصل الى الموت  واقلها الصرع والعدوانية

وأما رأي الأديان من أمر المنتحر فقد انتهت جميعها إلى تحريم هذا الفعل وقد تحدث الإسلام عن هذا الأمر باستفاضة بالغة والأحاديث الصحيحة كثيرة فيها وما يهمنا هنا والذي نريد أن ننوه عنه حتي لا يقع فيه الناس هو تكفير المنتحر فقد ذكر الإمام مسلم رحمه الله في ترجمته لاحاديث تتطرق إلى هذا الأمر ” على أن قاتل نفسه لا يكفر” ، فما يعتقده كثير من الناس من كفر المنتحر لا دليل عليه بل الدليل على أنه ليس بكافر كما أننا يجب أن لا نجزم بدخول المنتحر النار، بل هو تحت رحمة الله ومشيئته إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له لقول الله تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، وأيضاً لا نجزم بخلوده في النار لو دخلها وذلك لحديث أن الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.

ولكن ومما لا شك فيه أن الانتحار ذنب عظيم جاءت فيه أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام محذرة ومتوعده صاحب الفعل بالعذاب لأن ذلك الفعل دليل على ضعف الإيمان وهشاشة الدين في قلب فاعله ، والمؤمن الحق لا يقدم على الانتحار مهما أصابه من بلاء الدنيا بل يصبر ويحتسب فلم يكن أشد إبتلاءاً من الأنبياء والرسل وهم أحب خلق الله إليه ، ويجب عليه أن يكون مدركاً وعارفاً حقيقة هذه الحياة الدنيا وأنها للامتحان وليست دار خلود ومستقر فالكل له أجله وهي دار ابتلاء كما قال الله تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) فيجب عليك أن تكون ممن يحسنون عملاً ، ومن يرد الاستفادة والتفقه والتوسع أكثر في هذا الموضوع من الناحية الدينية فليرجع إلى فتاوى العلماء وفتاوى الأزهر الشريف في هذا الأمر .

وعلى هذا الأثر لا يترك الدعاء للمنتحر بل هو في أشد الحاجه إليه بالرحمة والمغفرة والتصدق له عسى الله أن يتقبله الله برحمته كما يجب أن يتفقه الناس في هذا الأمر فلا يسبوا من أنتحر فإنها تؤذي أهله الأحياء ولا تصل إلى ميتهم فلا يوجد أي داعي للشباب بل أسألوا الله السلامة والعافية.

دور المجتمع من مواجهة الانتحار

كما يقع هنا الدور المجتمعي الفعال في مواجهة هذا الأمر فيجب على الأفراد أن لا تترك الأمر فقط على تحرك الدولة في التوعية والمساندة فالجيران لهم دور بأن يسألوا على بعضهم البعض ويراعي أحدهم الآخر وإن كان هذا شأن الجيران فما بالك بالأسرة والأهل والأقارب بل أيضاً على من لا يعرفون بعضهم البعض فقد تقابل شخصاً لا تعرفة وتبتسم بوجهه فتقدم له مقوله أو نصيحة يكون هو في أشد الحاجه إليها وأنت لا تعرف ذلك فلا تبخل على أحد بالنصح وإن لم يكن عندك ما تنصح به فيكفيك أن تكف أذاك البدني والمعنوي عن الغير بأن لا تتنمر على أحد أو تذكر فيه بعض الخصال الغير محمودة فكلنا مخطئ ويجب أن يراعي أحدنا الآخر ، فالدور المجتمعي مهم جداً للحد من ظاهرة الانتحار التي قد تكون تكاثرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.

بقلم  أ / حسام سلام