نحن الأن نعيش عالم السرعة عالم سهل فيه الكثير مما قد صعب على من كان قبلنا فنحن نعيش في عصر الأنترنت فيكفيك كتابة كلمة أو سطر في محرك البحث لتظهر لك كل ما تريد معرفته وما لا تريد معرفته لآلاف المواضيع بل الملايين منها ، فكما سهل عليك البحث سهل أيضاً على الكثيرين التستر والتخفي داخل هذا العالم،  فمع سهولة البحث والتثقيف والذي لم يأخذه البعض من هذا المنطلق ولكن أخذه بدافع الكسل فمع كل هذا التقدم والتكنولوجيا بدأت بعض الأمراض والسلبيات المجتمعية والفردية في الظهور فهل العيب في التكنولوجيا والتطور أم العيب في الأشخاص .

خطأ إلقاء اللوم على التطور وادعاء مثالية كل ما هو قديم :

فنجد الكثيرين يلقي اللوم على التطور والطفرة التكنولوجية التي حدثت مؤخراً بأنها أصبحت تفتت الأسرة والمجتمع وتصيب البعض بالغباء بسبب قلة البحث بما يفيد والاهتمام بما ينفعهم وبسبب كثرة الجلوس على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن هذا خطأ شائع فمن تربي علي قيم وأخلاق معينة تكون له هذه التكنولوجيا مساعداً ومعيناً وليست العكس ومن كان بالطبع كسولاً متراخياً فقد وجد سبباً جيداً للركون إليه مدعياً أنه مشغولاً على مواقع التواصل الاجتماعي وإذا توقفت معه وسألته وما الجدوى وما النفع الذي يعود عليك من ذلك ؟ يلف ويدور ليصل في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي أنه يضيع وقته بها ليس إلا ، أما من كان له هدف واضح ومحدد ويعرف قيمة حياته ووضع لنفسه خطة حياتية ليسير عليها مدركاً أنه سوف يسأل أمام الله عز وجل عن وقته وشبابه فيما أفناه تجده مشغولاً دائماً بما يفيده ويفيد الآخرين من حوله ويجعل التطور سبباً ووسيله لتحسين قدراته وللتواصل مع أكبر قدر ممكن من الناس ليفيد ويستفيد منهم سواء في سماع درس أو قراءة مقال أو كتاب .

أما وهم أن كل ما هو قديم فهو مثالي وأفضل فهذا خطأ والقول بأننا مع كل هذا التقدم لم نحصل على علماء مثلما كانوا قبل هذا التطور بسبب الانشغال بالتكنولوجيا فهذا يرجع إلى الشخص ذاته فالشخص صاحب الهمه والعزيمة هو هو نفس الشخص قديماً وحديثاً فإذا كان قديماً عنده المقومات للتقدم في أحد العلوم فأيضاً الآن ظهرت مقومات أخرى لأصحاب الهمم والعزائم للتقدم في أي علم وإذا كنت تقارن العلماء الدينين واصحاب العلوم الدنيوية الطبيعية وتقارن حياتهم فسوف تجد أيضاً عندهم الكثير والكثير من المثبطات كما هو متواجد الآن بل وأكثر وأن كنت تعني أو تظن أنهم كانوا يعيشون حياة رغدة متفرغة للعلم فأنت مخطئ فإذا تبنيت أي نموذج ناجح قديماً فأنظر البيئة المحيطة به وما كان وقتها من حروب وصراعات بل سوف تتفاجأ عند بحثك أنه قد يكون مسجوناً ولفترة طويلة من الزمن  غير متفرغاً البته إلى تحصيل العلوم ولكن إذا ما توفر لدية الوقت لم يبدده فيما هو غير نافع بل يستغل كل دقيقة لتحصيل العلوم والتثقيف لمنفعة نفسة ومن حولة وليكون مؤثراً على الأقل في الدائرة المحيطة به .

الهروب من الواقع ومما أنت عليه :

من المشاكل التي أراها بكثرة ووضوح الأن مرض أسميه انفصام الشخصية على الأنترنت فكثيراً ما أقرأ كلمات لأشخاص أعرفهم تمام المعرفة لا تدل عن شخصيتهم بل وتجد من هو سيء الخلق والمشهور عنه كذلك في قمة الأدب بل والتدين وتظهر له كلمات يظن بها من لا يعرفه أنه أحد مشايخ وعلماء الدين وليس الأمر كذلك فقط فتري من هي غليظة التعامل مع أهلها ووالدتها لتخرج على صفحات التواصل الاجتماعي بادعاء المثالية والدعاء لأهلها بكل ما هو خير أما في أرض الواقع فلا يجدوا منها حتي الكلمة الطيبة أو على الأقل الابتسامة وتجد من يظهر صور لأبنائه متمنياً لهم دوام الصحة والعافية وإذا تواجدت معه هو وأولاده في مكان واحد لمدة خمس دقائق سوف تسمع كم هائل من السباب والدعاء عليهم بكل ما يسوئهم ، والكثير من هذه النماذج فإذا فتحت الباب لذكرها لم ينغلق ولكن لماذا يظهر هذا الكم من انفصام الشخصية والازدواجية فبعد التعمق كثيراً في هذا الأمر وجدت أن من أهم هذه الأسباب هو الانطواء على هذا العالم الافتراضي وترك العالم الواقعي الذي من خلاله تتقابل مع البشر الحقيقيين وتترجم معاملاتك ومعاملاتهم إلى أرض الواقع لتتعلم كيفية الاستمرار في الحياة وتحمل مشقاتها .

فيجب أن يعرف الشخص جيداً مواضع الضعف والقوة في شخصيته ليقف عليها ويقوي ما هو ضعيف ويزيد ما هو قوي فكثيراً ما تري شخصاً انطوائياً لا يكاد يكلم أحد ولكنه في العالم الافتراضي مختلف تماماً لماذا ؟ لأنه يستخدم طريقة واسلوب لو أستخدمهم لكسب الكثير من الصداقات وايضاً كونه يخشي من صد البعض له أما في العالم الافتراضي إذا صدك شخص ما فهو لا يعرفك ولا يوجد هناك حرج لك ، ولكن هذه هي الحياة فليس كل من يراك يقبلك كما أنك لا تقبل كل من تراه  وأذكر نفسي وأياك بحديث ابن عمر- رضي الله عنهما – فيما يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال  ” المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ”  والحديث رواه الترمذي .

فيجب عليك التخلص من هذا المرض العضال وتنزل إلى أرض الواقع لترى العالم الذي تعيش فيه ، ولكن لا تأخذ كلامي أنك تنزل إلى أرض الواقع لتجلس منطوياً أيضاً في داخل شخصيك بالعالم الافتراضي فكثيراً ما أشاهد مجموعة من الأصدقاء يجلسون سوياً ولا يكلمون بعضهم البعض ولكن كل واحد منهم مشغول بعالمه الافتراضي إذاً لماذا اجتمعتم سوياً ؟

واخيراً أحب أن أقول لك عزيزي القارئ أنك يجب أن تشغل نفسك بما ينفعك ولا تجعل كامل وقتك للترفيه فقط بل أجعله جزء وليس كل حياتك ، كما أنك لا تدعى دائماً أنك مشغول عن عدم القراءة أو تحصيل العلم النافع لك أو لمن حولك فلو كنت مشغولاً حقاً فأجعل من وقت فراغك شيء نافع لك ، وإذا ما أردت أن تظهر يوماً في وسائل التواصل الاجتماعي فأظهر بما أنت عليه وإن لم يعجبك ما أنت عليه فحاول أن تتغير وتعالج ما تكرهه في نفسك وفي شخصيتك لا أن تنقله إلى غيرك وتظهر بمثاليه هي بعيده عنك كل البعد بل يجب أن تحاول وتثابر لتكوين شخصية تكون واعية ومثقفة وتكون أنت راضي عنها لتظهر بها في العالم الواقعي والعالم الافتراضي .

بقلم  أ / حسام سلام