الاديب محمود محمد شاكر و صدامه مع طه حسين الجزء الاول  لراغبي متابعته

أستمر وقتها الطالب محمود شاكر في حضور محاضرات أستاذه طه حسين وهو يتكلم ويدور في فلك هذا الموضوع وظل عاجزاً عن مناقشة أستاذه فيما يقوله وهو يعلم من أين أتى به وممن نقله ، وكان سبب عدم وقوف الطالب محمود شاكر وقتها هيبة أستاذه طه حسين كما أنه أذا تكلم ووقف يناقشه حتى وإن كان محقاً فلم يجد معه من يؤيده نظراً لأنه يواجه أستاذاً بحجم طه حسين فكان خائفاً من قوة الهجوم التي قد يتلقاها إذا أقدم على مناقشة أستاذه وأيضاً لا ينسى الفضل لأستاذه في أنه من توسط إلى رئيس الجامعة ليدخل كلية الآداب لأنه كان حاصل على الشهادة الثانوية علمي.

وأستمر على هذا الوضع وقتاً طويلاً لا يستطيع أن يتكلم أو يلمح لما في صدره  حتى نفذ منه صبرة وذلك نصراً للدين والعلم واللغة العربية والشعر الجاهلي ، وقف يرد على طه حسين فيما تبناه من منهج وفكر غير سليم عن الشعر الجاهلي وبدأ من هنا الخلاف وكانت من المعارك الطويلة حيث أيقن الطالب محمود شاكر ورغم صغر سنه وحداثته أن من كان يأخذ برأيه طه حسين (مرجليوث) لا يملك العلم ولا المقومات ولا الأدوات التي تأهله إلى إدراك مفهوم اللغة العربية وفطن إلى أنه لا يريد بمنهجه هذا ودراساته تلك إلا التشوية والإفساد وسلخ الفكر العربي من هويته وتاريخه وقد علم أنه يهودي ولا يقدر أن يداري ويواري حقده الدفين على الإسلام والمسلمين والعرب وقد أستغرب من تبني أستاذه طه حسين لمثل فكر هؤلاء وأمثالهم .

وللأسباب المذكورة أضطر الطالب وقت إذ محمود محمد شاكر إلى ترك الجامعة كلها بسبب ما لاقاه من هجوم شرس ليس لنصرة الحق وإنما لنصرة الأستاذ الكبير طه حسين وترك شاكر الجامعة وقد أوضح فكرة وأظهر الحقيقة لكثيراً من الطلاب والأساتذة .

قرر محمود شاكر بعدها ترك مصر والسفر إلى جده سنة 1928م وقد كلفة الملك عبد العزيز آل سعود بإنشاء مدرسة جدة السعودية الابتدائية وعمل مديراً للمدرسة حتي طلب منه والدة الرجوع إلى مصر فعاد إلى القاهرة سنة 1929م وبعد عودته أهتم بالكتابة والقراءة والانشغال بالأدب والدواوين الشعرية حتي أصبح متخصص ومتفنن بها ويتذوق قصائدها مما مكنه من نشر بعض القصائد في المجلات المعاصرة لزمنه وقتها مثل مجلة الفتح مما جعله يتواصل مع أدباء عصره ومثقفيها أمثال عباس العقاد وأحمد تيمور والخضر حسين ومصطفى الرفاعي مكوناً بذلك الصداقات الاجتماعية في مجتمعة الأدبي والثقافي .

وفي عام 1936م قرر محمود شاكر الدخول بقوة في عالم الأدب وأصدر كتابه عن المتنبي ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ) متحدثاً فيه بطريقة وأسلوب جديد ، مما جعله معروفا بين الناس حيث أحدث ضجة كبيرة بأسلوبه ومنهجه المبتكر الجديد ، والذي تطرق فيه إلى أشياء كثيرة لم يسبقه أحد إليها  وقد أستخلصها واستنتجها من خلال تذوقه لشعر المتنبي ، فقد أكد على علوية المتنبي وأنه تعلم مع الأشراف وعليه القوم وتحقق من أصلة ونسبة حيث كان يذكر عنه أنه ولد لأحد السقايين بالكوفة ، بل وأكد أيضاً في كتابه أن المتنبي كان يحب أخت سيف الدين الحمداني وقد ذكر ذلك في شعره وأستشهد به محمود شاكر من المتنبي نفسه ، والجدير بالذكر أن محمود شاكر قد ألف كتاب المتنبي سنة 1936م وهو أبن 26 عاماً ومما ذكره في كتابه أنه لم يقصد أن يؤلف كتاباً عن المتنبي ولكنه كان مكلف من رئيس تحرير مجلة المقتطف الأستاذ فؤاد صروف بكتابة دراسة عن المتنبي لنشرها في المجلة ولكن لقوة علمة وإطلاع وبحثة وبعد الانتهاء من كتابة الدراسة تفاجأ أنها كتاباً كاملاً قد أنجز في فترة زمنية قصيرة حاملاً معه منهجاً جديداً وأسلوباً جديداً لينتقل من وقتها الأسلوب البحثي والمنهجي في دراسة الأدب والشعر على نحو غير مسبوق ونشرته المجلة في العدد الصادر في يناير 1936م ، ومن الجدير بالذكر أيضاً أن هذا العدد لم يكتب فيه أي موضوع آخر ولا أي كاتب آخر فقد أكتفت المجلة في هذا العدد بعرض كتاب المتنبي رساله في الطريق إلى ثقافتنا للكاتب والأديب محمود محمد شاكر فقط .

وكما استقبل الكتاب كتاب المتنبي بالترحاب الشديد والثناء عليه وعلى مؤلفة إلا أنه أيضاً قد قوبل بالنقد الشديد ولكن نقد الكتاب لم يستند على أصول علمية ومنهجية ولكن أستند على سطحية النقاد فقط ، وقد كتب طه حسين كتابة عن المتنبي ولكن في عام 1938م أي بعد كتاب المتنبي لمحمود شاكر بعامين ومن الملاحظ في كتاب طه حسين ورغم هجومه فيه على كتاب شاكر إلى تغير أسلوب طه حسين في كتابه متأثراُ بطريقة محمود شاكر وقد كتب شاكر أكثر من 13 مقال أوضح فيهم سطو طه حسين على أفكاره وأثبت بالأدلة حدوث وتكرار ذلك السطو مما يؤكد أن طه حسين لم يسلك طريقة الجديد في الكتابة إلا بعد قراءته لكتاب المتنبي لمحمود شاكر فكما ذكرت لكم سابقاً أن المعركة الأدبية بين محمود شاكر وطه حسين كانت طويله جداً .

ولم تنتهي المعارك في حياة بطلنا الأديب الشيخ محمود محمد شاكر فقد خاض معركة أخرى كانت أوسع وأشهر من معركته مع طه حسين ولكن لا يسعنا المقام هنا إلى التطرق إليها ولكن كان ذكرها للوقوف على نضال بطلنا في نشر الحق فكان شاكر والذي أطلق عليه عباس العقاد لقب المحقق الفنان فقد قام بطلنا بالتحقق من تفسير الطبري ( 16 جزءاً )، وتهذيب الآثار للطبري (6 مجلدات) ، وطبقات فحول الشعراء (مجلدان) ولا يسعنا المجال هنا لذكر جميع ما قام بتحقيقه .

وقام شاكر بتحصيل كم كبير من المعارف والعلوم العربية ما لم يقم به أي أحد في زمنه ، ثم قام بعدها بالتوجه والدفاع عن الحق وخوض المعارك الأدبية لإثبات ذلك الحق فقد حارب الدعوة التي كانت منتشرة في وقته إلى التوجه إلى العامية ، وحارب وقاتل من أجل الوقوف بجانب اللغة العربية ضد دعوة كتابتها بالحروف اللاتينية بحجة التطور والتمدن والحداثة اللغوية ، وحارب الخرافات والبدع عن منهج السلف الصالح ، وفي صحة العقيدة الإسلامية ، وقام بتنقيح كتب الإيمان من الشرك الظاهر والباطن ولم يكن هناك موقفاً معادياً للإسلام أو المسلمين إلا ووقف مدافعاً عنه حتي توفاه الله في السابع من أغسطس سنه 1997م فرحم الله الشيخ والعالم والأديب محمود محمد شاكر .

بقلم  أ / حسام سلام