حديثنا في هذا المقال عن أحد المناضلين والمقاتلين المدافعين عن العربية في مواجهة تغريبها وسلخها من هويتها فهو الاديب المصري محمود محمد شاكر) أبو فهر) ، والذي أقام منهجه الخاص (التذوق) في الشعر والذي أسسه بعد اطلاعه على الكثير والكثير من كتب التراث الأدبية والشعرية ليثبت بها أصالة الثقافة العربية ويصد هجمات المتغربين المشككين في الشعر الجاهلي وأصالة الثقافة العربية ، وسوف نوضح هنا كيف أن المعرفة والثقافة التي تصل إلى حد التخصص والتفنن تصل بالشخص إلى مرحلة يستطيع من خلالها الوقوف على أرض صلبة موقف المدافع عن علمة ومعرفته بل ويستطيع أيضاً الهجوم على المشككين في مجاله المتخصص به ، مما يجعله بعد ذلك سبباً لإنقاذ تاريخ متكامل من التغييب والتغريب.

الدفاع عن اللغة العربية والشعر الجاهلي

 بدايةً يتبادر إلى ذهن أحد القراء عن فائدة الشعر الجاهلي وهل اللغة العربية والشعر الجاهلي تحتاج إلى الدفاع عنها فنحن في عصر متطور ومتقدم والكثيرين في العالم يتحدثون العربية ولا شك فهل يهتم أحد حقيقةً بطمس الهوية العربية وهل هناك من يحاول التشكيك باللغة والشعر الجاهلي وما الفائدة من ذلك ؟ كل هذه التساؤلات لابد أن نجيب عنها قبل السرد في المعارك الأدبية للأديب محمود محمد شاكر ، فيجب أن تعلم عزيزي القارئ أن اللغة العربية الصحيحة والتي يحتج بها أهل العلم هي عند الأشخاص المتوفيين قبل عام 100 هجرية وليس بعد ذلك فإذا ذكر أي شخص بعد هذه الفترة الزمنية فإنه يذكر للاستئناس فقط وذلك لسبب وعلة أن القرآن قد نزل بلسانٌ عربيٌ فصيح وقد نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يفهمه كل من يسمعه من العرب إلا بعض الكلمات التي أوضحها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام للناس وأيضاً بعض المصطلحات الغريبة علي بعض قبائل العرب والمفهومة عند البعض الآخر ولكن في المجمل فمعظم كلماته مفهومة للجميع وكان اللسان العربي الأصيل في اللغة يصلنا من الشعر الجاهلي والذي سبق الإسلام وعاصره إلى فترة الفتوحات الإسلامية والتي بعدها اختلطت الألسنة ودخلت كلمات وثقافات أخرى على اللغة ولذلك يحتج العلماء بالأشخاص قبل عام 100 هجرية لأن ذلك اللسان هو ما كان يتحدث به الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته وكل هذا الجيل والشعر الجاهلي من أبرز المعالم للغة العربية واللسان العربي الفصيح  والتشكيك فيه يعني التشكيك في معاني ومفردات ومصطلحات لغوية وبالتالي الانتقال لمرحله أخري وهي التشكيك في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام والتشكيك في ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه وما المقصود من هذه الكلمة هنا ولماذا لم توضع بهذا المعني هنا .

من هذا المنطلق بدأ بطلنا في هذا المقال بقراءة الشعر العربي بشكل مختلف فقد توقف عند كل معني ولفظ للوصول إلي ما بين السطور وما قد يكون قد أخفى من معاني ومقاصد للشاعر وهذا هو أساس منهجه ( التذوق ) فقام بالوقوف على المعاني والألفاظ في كتاب الله والأحاديث النبوية الشريفة وأطلع وتعمق في كتب أصول الفقه وأصول الدين وعلوم القرآن وتنقل بين كتب البلاغة والنحو والتاريخ والاثر ومع تعمقه هذا فتح الله عليه من المعرفة لفهم هذه العلوم ، وما كل ذلك لصد هجمات التغريب للغة العربية والشعر الجاهلي الذي بدوره ينعكس على كافة العلوم الدينية .

المعركة الأدبية بين محمود شاكر وطه حسين

كانت نشأة الأديب محمود شاكر نشأة متدينة ، فقد كان أباه يعد كبيرا لعلماء مدينة الإسكندرية  ثم أصبح وكيلا للجامع الأزهر وكان هو أصغر إخوته وكثيراً ما كان يقضي أوقاتا في الجامع الأزهر وهناك سمع الكثير من الشعر ، وقد أتجه على غير أخوته إلى التعليم المدني ، فتلقى مراحل تعليمه إلى أن تأثر بدروس الإنجليزية لاهتمامهم بها لأنها جديدة عليه وبعدها دخل المدرسة الخديوية الثانوية ليلتحق بالقسم العلمي ويتعلق بدراسة الرياضيات وبعد اجتيازه الشهادة الثانوية وعلى الرغم من حبه لدراسة الرياضيات وبراعته في اللغة الإنجليزية فقد قرر أن يلتحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية لأنه قد تأكد من أهمية اللغة العربية في الثقافة والتراث الديني والدنيوي وأهميتها  في تاريخ الأمه قديماً وحديثاً .

ولأنه كان في القسم العلمي فقد تعذر دخوله لكلية الآداب بداية ، والجدير بالذكر أنه بوساطة من طه حسين لدى رئيس الجامعة المصرية استطاع أن يلتحق بكلية الآداب سنة 1926.

كان محمود شاكر في السابعة عشرة من عمره سنة  1926م ، حيث كان في السنة الأولى بكلية الآداب قسم اللغة العربية وفي الجامعة استمع محمود شاكر إلى محاضرات أستاذه طه حسين عن الشعر الجاهلي ، وصدم حين ادعى طه حسين أن الشعر الجاهلي ملفق وكذب ولم يصدر عن الشعراء المنسوب إليهم مثل أمرئ القيس والمتنبي وزهير ، وإنما هو بدعه من رواة العصر الإسلامي ، ولأن محمود شاكر ذلك الطالب الذي يبلغ من العمر 17 عاماً فقط كان كثير الاطلاع والتثقيف والبحث المنهجي فقد قرأ مقال لأحد المستشرقين الإنجليز ويدعى مرجليوث حيث وجد أن كلام أستاذه طه حسين ما هو إلا نقل كامل لهذا المقال بدون أي تغيير مما زاد من تأكد الطالب وقتها محمود شاكر أن أستاذه طه حسين لا يأتي بالأفكار من رأسه أو من خلال بحث علمي ولكن ينقلها كاملاً بما فيها من مغالطات…. يتبع

 

بقلم

أ . حسام سلام